-يقول
الله -عزَّ وجل-: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ
أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ
وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}
- هذه الآية العظيمة ترسم
للمسلم منهجًا قويمًا يسير عليه في هذه الحياة، يتضمن تقويم نظرته زهرة
الدنيا، وقطع تعلُّقه وتطلعه إلى زخارفها الفانية، فلا يمدُّ نظره إليها
نظر المعجَب المستحسن لزينتها، وترشده إلى أن يتطلع إلى الرزق الباقي
والنعيم الدائم الذي وعد الله به أولياءه.
- لذلك ينبغي للمسلم أن لا
ينظر إلى من هو أعلى منه ومن فُضِّل عليه في هده الدنيا، وإنَّما ينظر إلى
من هو أسفل منه ليعطيه القناعة بما رزقه الله -تعالئ ويدعوه إلى شكر نعم
الله عليه. ويقرر هذا المعنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيقول:
(انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا
تزدروا نعمة الله عليكم)، أي: أن لا تحتقروا نعمة الله عليكم، و قال بعض
أهل العلم: "في هذا الحديث دواء الداء؛ لأنَّ الشخص إذا نظر إلى من هو
فوقه؛ لم يأمن أن يؤثر ذلك فيه حسدًا، ودواؤه أن ينظر إلى من هو أسفل منه؛
ليكون ذلك داعيًا إلى الشكر". وإنَّ القناعة كنز لا ينفد، وذخر لا يفنى؛
فهي غنى بلا مال، وعز بلا جنود ولا رجال، فالقناعة أن يرضى الإنسان بما قدر
الله -تعالى- له، وأن ينظر إلى من هو أدنى منه في العافية، وفي المال، وفي
الأهل، وغير ذلك من النعم؛ فإنَّ ذلك أقرب إلى النعمة وشكرها، فالمعافى في
بدنه أو ماله أو أهله ينظر إلى من ابتلُي بشيء منها؛ ليعرف قدر نعمة الله
عليه، وإذا كان هو مبتلى بشيء من ذلك؛ فلينظر إلى من أعظم ابتلاءً منه،
فإنَّه ما من مصيبة تصيب العبد إلَّا وفي الوجود ما هو أعظم منها، فإن كان
غنيًا؛ فلينظر إلى الفقير، وإن كان فقيرًا؛ فلينظر إلى من هو أفقر منه ممن
لا يملك الفتيل ولا القطمير، ثم ليعلم بأنَّه مهما أصيب المؤمن في شيء من
دنياه؛ فإنَّ ذلك ليس بشيء عند سلامة دينه الذي هو عصمة أمره في دنياه وفي
آخرته، هذه هي النظر الثاقبة التي ينبغي أن ينظر المؤمن لزهرة الحياة
الدنيا، فينظر إليها أولًا على أنَّها متاع الغرور، وأنَّها زهرة زائلة،
ونعمة حائلة لا تدوم ولا تبقى، بل مآلها إلى الفناء {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا
فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}، فبذلك
يُرزق القناعة التي هي الغنى الحقيقي، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
(ليس الغنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى: غنى النفس)، فمتى لم توجد هذه
القناعة؛ فإنَّه ليس بغني ولو كان أكثر الناس مالًا، (لو كان لابن آدم واديان من ذهب؛ لابتغى ثالثًا، ولو كان له ثالثًا؛ لابتغى رابعًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلَّا التراب).
وأخيرا أقول أللهم ارزقنا القناعة
وأرحمنا
وشكرا.......