بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما روي عن الخروج على الأمراء
قال حميدٌ خادم الحسن: كنت
عند الحسن يوماً، فجاءه رجلٌ، وخلا به، وشاوره في الخروج مع ابن الأشعث على
الحجاج، فقال: اتق الله يابن أخي، ولا تفعل؛ فإن ذلك محرمٌ عليك، وغير
جائزٍ لك، فقلت: أصلحك الله! لقد كنت أعرفك سيء القول في الحجاج، غير راضٍ
عن سيرته، فقال لي: يا أبا الحسن! وايم الله! إني اليوم لأسوأ فيه رأياً،
وأكثر عليه عتباً، وأشد ذماً، ولكن لتعلم -عافاك الله- أن جور الملوك نقمةٌ
من نقم الله تعالى، ونقم الله لا تلاقى بالسيوف، وإنما تتقى، وتستدفع بالدعاء والتوبة والإنابة والإقلاع عن الذنوب. إن نقم الله متى لقيت بالسيوف، كانت هي أقطع، ولقد حدثني مالك بن دينارٍ أن الحجاج كان يقول:
اعلموا أنكم كلما أحدثتم ذنباً، أحدث الله من سلطانكم عقوبةً.
ولقد حدثت أن قائلاً قال للحجاج: إنك تفعل بأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيت وكيت، فقال: أجل، إنما أنا نقمةٌ على أهل العراق؛ لما أحدثوا في دينهم ما أحدثوا، وتركوا من شرائع نبيهم -عليه السلام- ما تركوا.
وقيل: سمع الحسن رجلاً يدعو
على الحجاج، فقال: لا تفعل -رحمك الله- إنكم من أنفسكم أتيتم، إنما نخاف إن
عزل الحجاج، أو مات، أن يليكم القردة والخنازير؛ فقد روي أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: ((أعمالكم كأعمالكم، وكما تكونون يولى عليكم))*.
ولقد بلغني: أن رجلاً كتب
إلى بعض الصالحين يشكو إليه جور العمال، فكتب إليه: يا أخي! وصلني كتابك
تذكر ما أنتم فيه من جور العمال، وأنه ليس ينبغي لمن عمل بالمعصية أن ينكر
العقوبة، وما أظن الذي أنتم فيه إلا من شؤم الذنوب، والسلام.
ولقد بلغني أن أبا بكرٍ -رضي
الله عنه- خطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: أيها الناس!
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله -جل ثناؤه- يقول: أنا
الله لا إله إلا أنا، مالك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني منكم،
جعلتهم عليه رحمةً، ومن عصاني، جعلتهم عليه نقمةً، فلا تشغلوا قلوبكم بسب
الملوك، ولكن توبوا إلي أعطفهم عليكم)).
وقال الأشعث: كنت عند الحسن
حتى دخل عليه رجلٌ مصفرٌّ كأنه من أهل البحرين، فقال: يا أبا سعيد! إني
أريد أن أسألك عن الولاة، فقال الحسن: سل عما بدا لك، فقال: ما تقول في
أئمتنا هؤلاء؟ قال: فسكت ملياً ثم قال: وما عسى أن أقول فيهم، وهم يلون من
أمورنا خمساً: الجمعة، والجماعة، والفيء، والثغور، والحدود؟ والله ما
يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا، وإن ظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر
مما يفسدون، والله إن طاعتهم لغبطةٌ، وإن فرقتهم لكفرٌ.
قال: فقال الرجل: يا أبا
سعيد! والله إني لذو مالٍ كثيرٍ، وما يسرني أن يكون لي أمثاله، وأني لم
أسمع منك الذي سمعت، فجزاك الله عن الدين وأهله خيراً.
وسئل الحسن عن الحجاج، فقال: يتلو كتاب الله، ويعظ وعظ الأبرار، ويطعم الطعام، ويؤثر الصدق، ويبطش بطش الجبارين.
قالوا: فما ترى في القيام عليه؟ فقال: اتقوا الله، وتوبوا إليه يكفكم جوره، واعلموا أن عند الله حجاجين كثيراً.
وكان يقول: هؤلاء -يعني
الملوك- وإن رقصت بهم الهماليج، ووطئ الناس أعقابهم، فإن ذل المعصية في
قلوبهم، إلا أن الحق ألزمنا طاعتهم، ومنعنا من الخروج عليهم، وأمرنا أن نستدفع بالتوبة والدعاء مضرتهم، فمن أراد به خيراً، لزم ذلك، وعمل به، ولم يخالفه.
........
*- روى
الجزء الأخير منه الديلمي من طريق يحيى بن هاشم مرفوعا ، والبيهقي في
الشعب من طريق يحى بن هاشم مرسلا ، ويحي اتهم بالوضع . وقد رواه لقضاعي في
مسنده من طريق أحمد بن عثمان الكرماني . وأشار ابن حجر في تخريج الكشاف
(4/25) إلى أن في سنده مجاهيل ، وجاء بلفظ كما تكونون ، ك\لك يؤمر عليكم
أنظر مشكاة المصابيح برقم (1737).السلسلة الضعيفة للألباني رقم 230.
********************************
الكتاب: آداب الحسن البصري وزهده ومواعظه
المؤلف: ابن الجوزي (597 هـ)
المحقق: سليمان الحرش
الناشر: دار النوادر
الطبعة: الثالثة 1428 هـ - 2007 م
عدد الأجزاء: 1
ص ص 116 - 118